يمكن القول بكل ثقة إن العرب قد فشلوا في اختبار الديمقراطية، إلى الدرجة التي تؤكد استحالة قيام نظام ديمقراطي وفقاً لنظرية الديمقراطية الغربية. ولو نظرنا في هذا العالم العربي لن نجد سوى التجربة الكويتية التي تتم بأقل درجة ممكنة من الأضرار السياسية، حيث يتم التدخل بالنتائج الانتخابية قبيل يوم الانتخابات من خلال غض النظر عن الانتخابات الفرعية المخالفة للقانون التي تجريها القبائل للاتفاق على مرشحيها في الانتخابات، إضافة إلى التسهيلات الحكومية التي توفرها لبعض مؤيديها في المعاملات الرسمية للناخبين، لكن لا مخالفات جسيمة تذكر يوم الانتخابات العامة. وإذا ما قورنت الانتخابات الكويتية بما يحدث يوم الانتخابات في بعض الدول العربية، فإن الكويتيين في نعيمٍ ديمقراطي، حيث لا تخلو الانتخابات العربية من التزوير العلني ومنع الناخبين وما إلى ذلك من مخالفات صارخة. لكن في جميع الأحوال فشل الجميع في تجربة الديمقراطية، الحكومات والشعوب، سواء بسواء. لقد حافظ الجميع على المظهر دون الجوهر. لماذا فشلت الديمقراطية في العالم العربي؟ هناك الكثير من الإجابات المتكررة على هذا السؤال، منها وجود نظام حزبي إكراهي وتسلطي، دستور لا يتوافق مع النظرية الديمقراطية، عدم توفر رغبة حقيقية لنظام الحكم بوجود نظام يحاسب الحكام ويراقبهم، عدم وجود ضمانات حقيقية للحريات الفكرية، نوعية الفكر الديني السائد في الدول. لكن تبقى مع ذلك الحقيقة الأزلية القائمة على حقيقة أن العرب لا يملكون تراثاً في الحكم الديمقراطي قدر تملكهم تراثاً في الحكم التسلطي. وبهذا الصدد لا يقتصر الأمر على الحكام، بل وعلى المحكومين أيضاً. العرب تسلطيون بالفطرة في حياتهم اليومية، والأمثلة أكثر من أن تُحصى. الأستاذ والطالب، الأب والأبناء، الزوج والزوجة، الكبير ضد الصغير، الرئيس ضد المرؤوس. الكل يتسلط على الكل وفقاً لإمكانياته المتاحة، إضافة إلى انعدام فضيلة الحوار. ولن ألجأ إلى الشعر العربي لإثبات هذه الحقيقة، ففي واقع حياتنا المؤلم ما يكفي وزيادة. الديمقراطية لن تنجح في العالم العربي ما لم تمر بنفس المراحل التاريخية التي مرت بها أوروبا، وحيث إنه من المستحيل حدوث ذلك لأسباب تاريخية واجتماعية، فإن عملية البدء من حيث انتهى الآخرون لا تكون مجدية إلا إذا تم توفير الشروط الموضوعية والذاتية اللازمة للنمو، وليس لنشأة الديمقراطية، وهذا مُتعذر، بل ومستحيل بالنسبة للعقلية التسلطية العربية. ولن يبدل هذا الواقع المؤسف وجود حياة مرفهة صورية نتيجة التطور المادي الذي ننقله عن الغرب بكل بلاده. إذا كان لا يمكن زرع النخيل في الإسكيمو إلا بتوافر بيئة اصطناعية، وهو أمر صعب المنال لتكلفته المادية العالية، فضلا عن حقيقة أن أهل الإسكيمو لا يحبذون أكل التمر، فإنه في المقابل لا يمكن "استزراع" الديمقراطية في بيئة تسلطية قائمة على الاستبداد، لا يؤمن أهلها بالديمقراطية منهج تعامل وأسلوب حياة. هل البديل التخلي عن النظام الديمقراطي ولو بأدنى صوره؟ لاشك أن وجود حد أدنى من الديمقراطية حافظ لكرامة الناس من خلال دستور، ولو صوري، ودولة قانون لا يؤمن بها الناس كثيراً وبقناعة، وأفضل من الفوضى، وهذا ما تستغله بعض الأنظمة في فرض تسلطها على الشعوب. في ظل ما هو قائم من عدم إيمان الشعوب العربية بالديمقراطية منهج حياة، تظل الديمقراطية المشوهة أفضل ما هو موجود، بل ولا يلوح في الأفق أن هذا الإيمان سيتجذر في نفوس العرب.